الجمعة، ديسمبر ٢٩، ٢٠٠٦

مئذنة المسجد

كي اصل الي مدرستي فانه يجب علي ان اجتاز طريقا زراعيا غير مرصوف وهي طريق طويله جدا . و رغم الارهاق و التعب الذي اعانيه كي اصل الي هناك الا ان السير في هذه الطريق بالنسبة لي يبدو ممتعا،خاصة اذا كان هناك متسع من الوقت فعندها اسير الهويني و احرص علي تامل الطبيعه الريفيه قبل ان تستيقظ فاري لها في هذا الوقت جمالا لا يضاهيه جمالها في اي وقت اخر .
ياتي استمتاعي بهذه الجوله الصباحيه لاسباب عديده اهمها هو مئذنة مسجد القريه اتي اعمل بها ،فحينما اقترب من القريه تبدو المئذنه عاليه راسيه علي الارض فوق جسم كبير داكن و المئذنه ترتفع في جساره و ثقه الي عنان السماء.
واقترب اكثر و اكثر ...و يتضح المشهد و تزداد التفاصيل و ضوحا ،فاري القريه تعيش في ظل المئذه و تطل عليها المئذنه من اعلي فتبدو في استيقاظها كان القريه نامت والمئذنه صاحيه لم تنم

كلما مشيت من هذه الطريق اظل محدقا بالمئذنه لا تطرف لي عين امام مراهاو هكذا كل يوم دون ان يرهني ملل او يكبتني تكرار.

هذه المئذنه ليس لها جمال هندسي او فني زخرفي خاص يمكن ان يقف كسبب امام موقفي منها بل العكس صحيح تماما،فقد بناها فلاحين فقراء لم يراعوا فيها شيء سوي ان يكون اسمها مئذنة مسجد.هذه المئذنه انما تحتوي علي جمال خاص هو جمال الفكره التي تحملها او حملها لها موقعها في هذا المكان

جمال الفكره التي تحرك الفكر و تشغل العقل و تلتذ منها الروح و ترتاح لها النفس .هذا الجمال هو اعلي درجات الجمال
كلما اقتربت من القريه تلوح لي المئذنه كاعلي مكان فيها ،و البيوت تحتها نائمه في سبات عميق منبطحه علي الارض اما المئذنه فتظل واقفه ثابته كاصحاب المباديء و المثل لا تتزحزح عن موقفها او مبدئها

تبدو لي المئذنه و كانها قد حققت معني الدين كله في مشهد بسيط غير مقصود،فهي تقف علي الارض لكن راسها ممدوده و تصل الي السماء،انها تصل الارض بالسماء شكلا و معني،حقيقة و مجازا،فتبدو صورتها هذه متماشيه مع معناها و هو ربط الارض بالسماء

انها كعمود من النور اوله في الارض و نهايته _ان كان له نهايه_في السماء


انها تعلن علي الناس كلمة التوحيد كل يوم خمس مرات،و تدعو الناس الي صلاه يرتفعون فيها مثلها عن الارض الي اعلي ،يرتفعون عن ثقل الماده الي خفة الروح يرتفعون عن الارض و همومها و طينها الي السماء و اشراقاتها و رقة مادتها وصولا الي تحقيق المعني الكامل للعبوديه ،محاولين افناء زواتهم الماديه لتحقيق معناهم السماوي

اذن فجوهر المئذنه و فلسفة وجودها تتحققان مع الصوره هنا فهي تشع من روحها و روح مبتكرها الكثير من الدروس و المعاني لمن يتامل

و الانسان المصري هو من ابتكر هذه المئذنه و ايضا القبه،فهو يستلهم من ماضيه ما ينفعه في حاضره و قد يفعل ذلك و لا يدري انه يطور تراث قديم،فالمئذنه انشئت علي مثال المسله الفرعونيه و التي ابتكرت في عهد اخناتون صاحب دعوة التوحيد المشهور و المسله تشير الي الاله الواحد ايضا ،انه نفس الهدف و نفس الفكره،وكما حور المصري المسله كي تصبح مئذنه حور ايضا الهرم كي يصبح قبه

تقول د/نعمات فؤاد في كتابهاشخصية مصرداخل كل مئذنه مسله و داخل كل قبه هرم، ايضا داخل روحنا الاسلاميه روح مصريه قديمه تابي الزوال فهي فهي حيه باقيه لم تمت

يقول د/صلاح قنصوه في كتابه الدين و الفكر و السياسه قد تختفي العقائد القديمه لكنها لا تكف ابدا عن ممارسة تاثيرها في الايام القليله الماضيه بدات السماء تتلبد بالغيوم السوداء و تثبت دون حركه فتبدو كالمظله فوقنا او كسقف كبير جدا يغطي الارض كلها و حينها تبدو المئذنه كانها عمود ضخم هائل الارتفاع يحمل هذا السقف من احد اركانه و الاعمده الباقيه لا تظهر لبعد المسافه

هذا المشهد احبه بشده فهو شديد الروعه و يعطيني احساس بالمعني الشامل للدين ،فالدين يهدف الي تنمية الروح الانساني و رفع الانسان عن الارض و نقله من ثقل الواقع الي خفة عالم الروح و شفافيته و المئذنه حققت هذا المعني.الدين ليس قماشا يقصر او شعرا يطول..هل سمعنا النبي يتكلم عن مقصر ثوب دخل الجنه لانه قصره او لانه اطال لحيته؟لم نسمع شيئا من ذلك

لكننا سمعنا ان النبي تحدث عن امراه بغي سقت كلبا فدخلت فيه الجنه!!!!؟؟نعم حدث هذا ،،بغي في اسفل درجات الفضيله بل الرذيلهتدخل الجنه لانها رات كلبا يكاد يقتله العطش فرقت له و خاطرت و نزلت البئر و حملت خفها في فمها و ملاته له كي يشرب ،في قلب هذه البغي من الدين ما لم يدخل قلوب الكثيرين من الدعاه الي الله في ايامنا هذه

و سمعنا في مقابل هذه المراه عن النبي ان امراه حبست هره و ربطتها فلم تطعمها و لم تدعها تاكل من حشرات الارض فدخلت فيها النار!!!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟ فلماذا دخلت هذه النار و دخلت تلك الجنه؟انه الدين في معناه الحقيقي،كانت البغي رغم دنس و نجاسة عملها اكثر تدينا من امراه في بيتها ربما كانت لا تخرج منه كنوع من التقوي

كيف ذلك ؟انه المعني الحقيقي للدين الذي حققته البغي فكانت به موصوله بالسماء خائفه من ربها الذي تعرفه حق المعرفه لكن النفس كانت اقوي منها او ربما ظروف الحياه اضطرتها للبغاء لكنها كانت ذات دين ،او كان في قلبها المعني الحقيقي للدين

اما الثانيه فكانت علي العكس حفظت القشور و تركت الجوهر ،اهتمت بما يراه الناس و لم تهتم بصورتها عند الله لذلك كان مصيرهما ما كان

هذه المئذنه هي استاذ و معلم يدرس لس كل صباح اهم دروس الدين بلا كلام ،بلا وعد او وعيد .هذه المئذنه هي ملخص كل الاديان

هناك ١٣ تعليقًا:

saadny_architect يقول...

كل عام و أنت بخير وعافية
إسلوبك مبدع ..و كتابتك تدل على عمق فى الثقافة ...مازالت المئذنة رمز فى عمارتنا الإسلامية ...والذى تجاوز المعنى الوظيفى له فى صعود المؤذن فوقها ليعلو صوته ويرتفع ...إلى أن أصبحت رمزا ينقل هذا الأذان إلى السماء ..لتردده الملائكة ...ولتعلن فى شموخ وتحدى قوة وعظمة الدين ...وفى ذات الوقت تعلو نحو السماء وحيدة معلنة مبدأ التوحيد

ذو النون المصري يقول...

سادني العزيز
شرفت جدا بزيارتك و اسعدني جدا ان تكون اول من يعلق علي هذا البوست عندي
الفكره واضح انها اعجبتك كما اري نحن فعلا في حاجه الي التامل لان حياتنا القائمه علي الماده هي ارخص حياه يمكن ان يحياها انسان لذلك يجب علينا ان نتامل في البيئة المحيطه بنا كي نفهم الحياه بصوره اصح
الدين يتعرض الان من ابنائه و المنتمين اليه الي عملية تشويه غبيه و حمقاء بعد ان فرض علي العقل الشعبي ان يفكر في امور لا اسميها انا كما يسميها البعض سطحيه لكن اسميها هوائيه لانها حتي لم ترسو علي السطح و تتمكن منه
كان الله في عون ديننا و كل الاديان من الجهله بهذه الاديان فالدين ينزل من الله علي صوره و يتحول علي ايدي الجهال الي صوره اخري
سعدت جدا بزيارتك
و كل سنه و انت بالف خير و صحه و سلامه

انحلت سيور العربه وسقط المهر من الاعياء يقول...

السلام عليكم بوست جميل


ربنا يعينك
تحيا تى
وكل سنه وانت طيب

محمد البرلسى يقول...

السلام عليكم
البوست معبر

يعبر عن الفرق بين الجوهر والمظهر بين الاصول والفر وع

دمت طيبا
سلام

^ H@fSS@^ يقول...

مبروك يا ذو النون

عملنا مدونة لراندا
مدونة تانية خالص غير الصعبة الاولانية

ده اللينك اهو

http://zenzana.blogspot.com/

ابقى تعالى هناك

سلام

للتعليق بقية

عماد رفعت يقول...

علي فكره لازم تستغل موهبتك وتكتب قصص وتبدا تاخد خطوات تاهلك لتكون صحفي لانك متمكن من ادواتك فعلا

ذو النون المصري يقول...

الجحيم هو الحقيقه
انا سعيد جدا بزيارتك و اتمني للك التوفيق
و كل عام و انت بالف خير

ذو النون المصري يقول...

القادم من الريف
اشكرك و سعيد جدا انك تمعنت في قراءة القصه و ان مضمونها كان بسيط و سهل الفهم و غير معقد
نحن فعلا مشكلتنا الان هي الاهتمام بامور هامشيه علي حساب امور اهم
ربنا يعيننا كلنا
و دمت بالف خير
و كل عام و انت طيب

ذو النون المصري يقول...

حفصوتشا ام مصطفي
الله يبارك فيكي و مبروك لراندا
اخيرا !!!!!!!!!!ايوه كده اهو الواحد يعرف يعلق و يكتب بزاجه مش زي الاول كنت علي ماكتب كلمتين و علي كيوصلوا كان المزاج يتعكر و الواحد يتنرفز
طبعا دي مش محتاجه دعوه انا جاي جاي
و طل سنه و انتوا طيبين
و شرا ليكي علي التنبيه

ذو النون المصري يقول...

و له نهايه
انا في غاية السعاده برايك في شخصي و فخور جدا بهذا الراي
انا كنت في حاجه لراي يشجعني و رايك سيكون حافزا لي علي المزيد من التفكير
شكرا جزيلا لك
و كل سنه و انت بالف خير

ذو النون المصري يقول...

الجميع
انا سعيد بارائكم و ارجو ان تدلوا بارائكم دائما لانها بالنسبه لي هي بوصله توجيجيه احدد علي اساسها مستوي ما اكتب
اشكركم علي الزياره و كل عام انتم بالف خير و صحه و سلامه

hosnysoliman يقول...

الاخ العزيز/اسلوب جميل وعميق يحمل فى طياته شخصية متاملة باسلوب معبر صادق يأتى من اعماق ريفنا الجميل..قدرتك على الوصف اكدت قدرتك على الاحساس وهذا ما نفقده اهل المدينة..فى المدينى لا تكاد ترى السماء وكذلك المأذن مع كثرتها ففى الشارع والواحد ممكن تلاقى اربعة اوخمسة مأذن ولكن لاتسطيع ان تراهم لانك لازم تبص امامك او تحت ارجلك خشية الاصطدام بالناس او الوقوع فى بلاعة.اكثر من الكتابة حتى نستطيع ان نعيش لحظات مع ريفنا الجميل.ولكن السؤال ياترىالحال عندكم زى عندنا المساجد لا تمتلىء الا يوم الجمعة رغم الاذانات الخمسة وخاصة اذان الفجر .كيف حال الفجر عندكم؟

ذو النون المصري يقول...

الاستاذ العزيز/حسني سليمان
اولا انا شاكر لك جدا اطراءك و مدحك لي علي كلامي ..و سعيد جدا لذلك الذي قلت لاني فعلا في حاجه الي تشجيع محايد و كلامك اعطاني ثقه فيما اكتب ،انا احب حياة الريف جدا و اتمني ان يكون ريفنا المصري ريف سياحي كاريف الاوربي و الهولندي و الانجليزي مثلا
لكن للاسف لم يعد من طابع ريفنا اي ملامح سواء كان منازلنا الشعبيه او ملابسنا او مصنوعاتنا ،لم يعد عندنا شيء خاص بمصر كي ياتي السائح ليراه
ثانيا : اهل المدن و الريف في مصر لهم ظروف شبه متقاربه لان ابن المدينه لا يجد فرصه ليتامل لسبب فيه شيء من الطرافه و هو عدم قدرته علي النظر للسماء من الخوف فهناك ايضا سبب اخر و هو المنظر العام الذي توجد فيه المئذنه و ايضا ان ماذن المدن مختفيه بالعمائر دائما
ثالثا : كما يلهث ابناء المدن خلف اشياء فالريفيون يلهثون خلف اخري فالكل يلهث و لا يجد و قت للتامل
رابعا:عن مساجد الريف ففي كل صلاه ربما يتم ثلاث او اربع صفوف في المسجد اما في الفجر فاثنان فقط و الجمعه المساجد تطتظ بالمصلين
سعدت جدا برايك و فخور به
لك مني خالص التحيات