هذا الشعب الذي تحسبه جاهلا ليعلم اشياء كثيرة ،لكنه يعلمها بقلبه لا بعقله !...ان الحكمة العليا في دمه و لا يعلم!... و القوة في نفسه و لا يعلم !...هذا شعب قديم :جيء بفلاح من هؤلاء و اخرج قلبه تجد فيه رواسب عشرة الاف سنة ،من تجاريب و معرفة رسب بعضها فوق بعض و هو لا يدري !...
نعم هو يجهل ذلك ،و لكن هناك لحظات حرجة ؛تخرج فيها هذه المعرفة و هذه التجاريب ،فتسعفه و هو لا يعلم من اين جاءته هذا ما يفسر لنا _ نحن الاوروبيين _ تلك اللحظات من التاريخ ،التي نري فيها مصر تطفر طفرة مدهشة في قليل من الوقت !... و تاتي باعمال عجاب في طرفة عين !...
كيف تستطيع ذلك ان لم تكن هي تجاريب الماضي الراسية ،قد صارت في نفسها مصير الغريزة ،تدفعها الي الصواب ،و تسعفها في الاوقات الحرجة و هي لا تدري !...
لا تظن ان هذه الالاف من السنين ،التي هي ماضي مصر قد انطوت كالحلم و لم تترك اثرا في هؤلاء الاحفاد ...اين اذن قانون الوراثة الذي يصدق حتي علي الجماد ؟...و لئن كانت الارض و الجبال ان هي الا وراثة طبقة ،عن طبقة ؛فلماذا لا يكون ذلك في الشعوب القديمة التي لم تتحرك من ارضها ،و لم يتغير شيء من جوها او طبيعتها ؟...
نعم ان اوروبا سبقت مصر اليوم ،و لكن بماذا ؟...بذلك العلم المكتسب فقط نالذي كانت تعتبره الشعوب القديمة عرضا لا جوهرا و دلالة سطحية علي كنز دفين ،الا انه هو في ذاته كل شيء !...
الاوروبي انما يعيش بما يلقن و يعلم في صغره و حياته ؛ لانه ليس له تراث و لا ماض يسعفه غير ان يعلم !...
احرم الاوروبي من المدرسة يصبح اجهل من الجهل !... قوة اوروبا الوحيدة هي في العقل !...تلك الالة المحدودة التي يجب ان نملاها نحن بارادتنا .اما قوة مصر ففي القلب الذي لا قاع له ...و لهذا كان المصريون القدماء لا يملكون في لغتهم القديمة لفظ يميزون بها بين العقل و القلب .العقل و القلب عندهم كان يعبر عنهما بكلمة واحدة هي :القلب !...
احترسوا من هذا الشعب ؛فهو يخفي قوة نفسية هائلة !...
انه يخفيها في البئر العميق الذي خرجت منه تلك الاهرامات الثلاث؟!...
في الرواية حتي ص275