الجمعة، أكتوبر ٠٦، ٢٠١٧
الأربعاء، مارس ٣٠، ٢٠١٦
كل رجال الباشا
كل رجال الباشا
تاليف/ خالد فهمي
ترجمة / شريف يونس
.............................
ثلاث كتب ساهمت في تشكيل رؤيتي السياسية للأحداث في وطننا، الأول كان لعبة
الأمم لمؤلفه مايلز كوبلاند، والثاني فقد كان: ثورة يوليو الأمريكية للكاتب الكبير
محمد جلال كشك، أما الثالث فهو هذا الكتاب، كل رجال الباشا.
ساهمت هذه الكتب الثلاثة بتغيير رؤيتي لسياسة وطننا لأنها غيرت تماما كل ما
تعلمته منذ الصغر في المدرسة، حيث الرؤية الرسمية للأحداث، فهذه الكتب قدمت رؤية أخرى غير رسمية و أراها
صحيحة لأنتها اعتمدت بدرجة كبيرة علي الوثائق و بعيدا عن المجاملات التي تذخر بها
كتب تاريخنا فقد كشفت هذه الكتب الكثير.
في هذا الكتاب قام مؤلفه بتبني وجهة نظر جندي من جنود جيش محمد علي كي يروي
علي لسانه قصة صعود محمد علي في مصر وقصة بناء مصر الحديثة في عصره، يتبين لنا في
آخر هذه القصة أن مصر لم تكن متخلفة بالقدر الذي صورته لنا الكتب عن عصر ما قبل
محمد علي، ولا مصر تحولت إلي أمة متقدمة بعد أن حكمها محمد علي نيف وأربعين سنة.
تركز الروايات علي الجيش الذي بناه محمد علي والذي حقق به انتصارات كبيرة
علي الخليفة العثماني نفسه، لكن هذا الجيش الذي سيق أبناء الفلاحين إليه سوق
الحيوانات بالسخرة والقهر لم يكن قائما علي أسس قومية كما يروج له البعض باعتبار
محمد علي باني قومية مصر الحديثة.
كما أن هذا الجيش لم يكن باعث الروح الوطنية في نفوس المصريين، فقد كانت
حالات الهرب منه كثيرة لدرجة أن صدرت أحكام بالإعدام ضد من يتستر علي هارب من
الجيش، وكان الفلاح يكسر اسنانه الأمامية بغرض التهرب من الجيش، ومنهم من كان يعمي
بصره عمدا بسم الفئران هربا من الجيش أو ارتكاب أي عمل آخر من شأنه أن يشوه جسمه
بغرض وحيد هو التهرب من هذا الجيش.
بالوثائق يحطم المؤلف واحدة من أكبر أكاذيب تاريخنا المغلوط و هي أن محمد
علي بني مصر الحديثة أو أنه بعث الروح الوطنية والقومية في نفوس المصريين.
Posted by ذو النون المصري at ١١:٠٠ م 0 comments
Labels: قرات هذا الكتاب
الجمعة، مارس ٢٥، ٢٠١٦
حيونة الإنسان
كتاب/ حيونة الإنسان
تأليف/ ممدوح عدوان
.............................
في مطلع هذا الكتاب يذكر الكاتب جملة يوضح بها مضمون كتابه وموضوعه فيقول: "والمسـألة
هي أنني أري عالم القمع، المنظم منه والعشوائي، الذي يعيشه إنسان هذا العصر هو
عالم لا يصلح للإنسان ولا لنمو إنسانيته. بل هو عالم يعمل علي "حيونة"
الإنسان (أي تحويله إلي حيوان). ومن هنا كان العنوان."
فالكتاب يتعرض لموضوع الاستبداد السياسي، والعنف السلطوي ضد المواطنين الذي
تمارسه الحكومات المستبدة، ويدرس أثره علي الأخلاق العامة للجماهير.
يري الكاتب أن البنية العقلية والنفسية للإنسان الذي عاش تحت الظلم والقهر
والاستبداد، أوشكت أن تتحول وتتغير، ومع هذا الذي جرى لازال الإنسان يطمح أن يعود
إنسانا كما كان.
لقد تغيرت هذه البنية لكثرة ما تعودناه من انتهاكات لآدميتنا، فنحن لا
نتعود علي شيء لا نتحمله إلا إذا مات فينا شيء من طبيعتنا، لذلك فالكاتب يرى أن ما
مات فينا كبير جدا حتى نتعود علي تلك الحياة المأسوية التي نحياها الآن.
يري الكاتب أن تاريخ تطور البشرية هو تاريخ محاولات الإنسان للتخلص من
الوحش الكامن في أعماقه. أي أن الإنسان يهرب من الوحش الذي اختبأ في داخله. ودلالة
وجود هذا الوحش الكامن في الأعماق أن نري كل هذا العنف الذي تمارسه دولة ضد دولة،
أو سلطة ضد الشعب، أو بين الأفراد في الوطن الواحد أو الأسرة الواحدة.
أصبح من المعتاد أن نري الإنسان يتعرض للإهانة، بل إن ثقافتنا تغذي اتجاها
ضد المرأة وضد كل ما يغذي إحساسها بالكرامة، فتحط من شأنها، وتتخذها فقط موضوعا
للجنس أو للعنف الجنسي.
يري الكاتب أن الإنسان تعرض لتربية تعلي من شأن الطاعة كقيمة عليا، هذه
التربية نجحت في ترويض الحيوان نفسه، لكنها مع الأسف قد غيرت من نوع المخلوق
وصفاته، فالحصان المروض غير حصان البراري، وقرود السيرك ليست كالقرود الطبيعية
التي تتقافز فوق الأشجار. وكذلك يري أن عملية الترويض التي تعرض لها الإنسان قد
غيرت من بنيته النفسية بحيث أصبح مطيعا لما يخالف رغباته، وهذا التحول لا يحدث إلا
بفعل القوة القامعة.
إن مجتمعاتنا التي يعيش فيها الفرد تحت القمع المستمر تولد في نفس كل فرد
منا ديكتاتورا صغيرا، سيكبر يوما ما، وإن لم يكبر فإنه سيمارس سلطاته الديكتاتورية
علي من هم دونه في المنزلة. فجميع أفراد المجتمع لهم أنياب ومخالب، لكنها تختفي
وتظهر حسب الظروف.
لقد تسبب الاستبداد في تغيير القيم بل أحدث حالة انقلاب قيمي وأخلاقي،
فأصبحت درجات السلم الأخلاقي غير مرتبة، فيثور المجتمع لأسباب لا تستحق، بينما
يأتي عند الأسباب التي تستحق الثورة والغضب ولا يغضب.
Posted by ذو النون المصري at ١٠:٥٩ م 4 comments
Labels: قرات هذا الكتاب
الأحد، مارس ٢٠، ٢٠١٦
العبقرية
العبقرية
أندرو روبنسون
......................
منذ زمن طويل، وربما زمن قديم شاعت معلومة عن العلاقة بين الجنون
والعبقرية، فيرى صاحب الرأي _ وأظنه أفلاطون أو فيلسوف آخر من جيله _ يرى أن
العبقرية و الجنون علي خط متصل واحد، وأن العبقرية نوع من الجنون أو أن الجنون نوع
من العبقرية.
في هذا الكتاب يتحدث المؤلف عن هذا الموضوع محاولا وضع هذه المعلومة في
إطار علمي، إما بالتصديق وإما بالتكذيب.
يتحدث الكاتب في هذا الكتاب من خلال مداخل متعددة، فهو أولا يتحدث عن معنى
العبقرية، ثم يتحدث عن العبقرية والأسرة، فيربط بين العبقرية والوراثة بعد أن درس
حياة مجموعة من العائلات التي انتشرت فيها العبقريات علي مدي أجيال.
يذكر في فصل آخر كلاما عن تعليم العباقرة، فهناك عباقرة لم يتعلموا تعليما
نظاميا تاما، وبالرغم من ذلك صاروا عباقرة. لكن هناك غيرهم من تعلموا و انتهوا إلي
أعلي الدرجات العلمية و انتهوا إلي العبقرية أيضا.
تحدث في فصل آخر عن الذكاء وعلاقته بالإبداع، من خلال دراسة وبحث مستوى
ذكاء مجموعة من المبدعين، والبحث في مدي ارتباط الخاصتين معا. ثم تحدث الكاتب عن
العبقرية والجنون، وكان هذا البحث من أفضل بحوث الكتاب، فقد بحث الكاتب في حياة
عدد من العباقرة الذين ثبت أن حالتهم الصحية تم تشخيصها بأنها حالة تقترب من
الجنون، من هؤلاء الفنان فان جوخ. كان هؤلاء المبدعون بالفعل عباقرة ومصابون في
عقولهم، وعلي الرغم من مرضهم كانوا عباقرة.
في فصل آخر تحدث عن الشخصية وبحوثها والعبقرية. ثم تحدث عن العبقرية في
الفن والعبقرية في العلم، ويرى أن بينهما فارق كبير؛ لأن العلم يعتبر عمل مؤسسي أو
جماعي، بينما الفن عمل فردي.
تحدث الكاتب بعد ذلك عن لحظات الاستبصار، وذكر الكثير من نمازج من توصلوا
إلي فتوحات علمية في مثل تلك اللحظات. ثم تحدث عن الإلهام والكد، وذكر آراء لكثير
من العباقرة الذين تحدثوا عن مستوي الإلهام ومستوي المجهود في إبداعاتهم.
كتاب ممتاز يستحق القراءة.
Posted by ذو النون المصري at ١٠:٥٠ م 2 comments
Labels: قرات هذا الكتاب
الثلاثاء، مارس ١٥، ٢٠١٦
الرفاعي
الرفاعي
جمال الغيطاني
.....................
عن أحد أشهر أبطال
حرب أكتوبر يحكي الغيطاني بأسلوبه وذائقته الأدبية الرائعة جزء من حكايته _ولا
أقول حكايته _ فالرواية تبدأ و الرفاعي كبير السن في ميدان القتال و له من الخبرات
و التجارب الكثير، أي أن الرواية ابتدأت من حيث يجب أن تنتهي في نظري، فقد فاتنا
الكثير مما لم نعرفه عن البطل و كان الغيطاني قادرا علي حكي المزيد.
الرواية تحكي عن بطل
الصاعقة قائد المجموعة 39 قتلا و التي اكتسبت اسمها من عدد عملياتها الناجحة خلف
خطوط العدو يوم تسميتها، لكن بالطبع عدد عمليتها زاد.
الرواية تحكي عن بطل
أسطوري بدون تفاصيل في عملياته القتالية و لا نوعياتها، وكنت أود لو فعلها
الغيطاني و كتب عن هذه العمليات بالتفصيل و قد كان الأقدر علي ذلك باعتباره مراسل
حربي سابق علي جبهة القتال.
الجزء الأجمل في
الرواية هو الجزء الذي يحكي عن العالم بعد أن مات الرفاعي، فقد صور الغيطاني بقلمه
و ذائقته الأدبية التي استجمعت كل قوتها في هذا الفصل، فقد صور العالم وعناصر
الطبيعة مفجوعة في موت الرفاعي بأسلوب رائع نادر التكرار.
أعتقد أن الرواية كان
يمكن أن تكون أفضل لو أن المؤلف قد حكي تفصيليا عن حياة البطل و تفاصيل عملياته.
Posted by ذو النون المصري at ١٠:٤٧ م 0 comments
Labels: قرات هذا الكتاب
الخميس، مارس ١٠، ٢٠١٦
الحرية ونقد الحرية
الحرية ونقد الحرية
لويس عوض
...........................
وكنت عقاديا بسبب الوفدية ..... وكان هناك حجابا بيني وبين طه حسين.
................
تشربت المناخ الذي كان يشيعه طه حسين، وتعلمت منه أشياء جعلتني أتمرد علي
سلطان العقاد في نفسي.
..............
وقد خرجت من فلك العقاد لأدخل في فلك سلامة موسي، وخرجت من فلك سلامة موسي
لأدخل في فلك طه حسين، وفي كل مرة كنت أتحرر من سلطان مفكر علي نفسي كانت تترسب في
وجداني وتكويني الفكري من تعاليمه ومنهجه ترسبات عميقة و سميكة حتي غدا عقلي أشبه
شيء بالطبقات الجيولوجية، وكانت مشكلتي الكبري هي كيف أذيب هذه الطبقات المتحجرة
وأردها كما كانت حمما لتمتزج في نفسي ويخرج منها معدن جديد.
..........................
هو كتاب عن كتاب (مؤلفين) وكتب. هذا أسرع تعبير يمكن به تلخيص فكرة هذا
الكتاب. هو مجموعة مقالات كتبها المؤلف علي فترات متفرقة يجمعها تيار ذكريات خاص
بالمؤلف لكن لأن هذه الذكريات مع شخصيات مؤثرة في الأدب والفكر العربي، ولأن هذه
الذكريات كذلك تدور حول فترة تاريخية هامة جدا في حياتنا، فهذه الذكريات تعتبر
كتاب تاريخ وأدب في نفس الوقت.
عن مجموعة من المؤلفين مثل طه حسين و العقاد و توفيق الحكيم و صلاح عبد
الصبور و غيرهم ممن لا نعرفهم و ربما نقرأ عنهم لأول مرة يدور موضوع هذا الكتاب.
فالمؤلف يبدأ الحديث عن أول علاقته بطه حسين فيحكي حكاية تكررت علي لسان
أكثر من كاتب من كتاب جيله والجيل التالي له، فيقول: "وكنت عقاديا بسبب
الوفدية ..... وكان هناك حجابا بيني وبين طه حسين."
فالعقاد كانت له سيطرة علي عقول الجيل كله قبل أن يتعرفوا بطه حسين ويقول
أيضا: "تشربت المناخ الذي كان يشيعه طه حسين، وتعلمت منه أشياء جعلتني أتمرد
علي سلطان العقاد في نفسي."
ويحكي عن علاقته بأكثر من مفكر و كيف خرج من سلطان إلي غيره فيقول:
"وقد خرجت من فلك العقاد لأدخل في فلك سلامة موسي، وخرجت من فلك سلامة موسي
لأدخل في فلك طه حسين، وفي كل مرة كنت أتحرر من سلطان مفكر علي نفسي كانت تترسب في
وجداني وتكويني الفكري من تعاليمه ومنهجه ترسبات عميقة و سميكة حتي غدا عقلي أشبه
شيء بالطبقات الجيولوجية، وكانت مشكلتي الكبري هي كيف أذيب هذه الطبقات المتحجرة
وأردها كما كانت حمما لتمتزج في نفسي ويخرج منها معدن جديد."
في هذا الكتاب يحكي عن الكثير مما غاب عنا معرفته، فلا نعرف قصة صعود طه
حسين ولا الكثير عن نضاله من أجل مجانية التعليم، كذلك لا نعرف الكثير مما فعله
لأجل تطوير الحياة الثقافية في مصر.
لا نعرف الكثير عن توفيق الحكيم، وعن دوره في تطوير المسرح، بل لا نعرف
الكثير من رسائله الفكرية في مسرحياته، ولا نعرف مدي تأثير رواية مثل (عودة الروح)
في أول جيل قرأ هذه الرواية، ولا نعرف كيف كانت من أهم المؤثرات الثقافية في حياة
(جمال عيد الناصر).
كذلك قصة صعود (أنيس منصور) الكاتب الأشهر في مصر. وكيف تأذي الكاتب كثيرا
حينما علم من أنيس شخصيا أنه سيترك الجامعة للتفرغ للصحافة، وكان مما قاله الكاتب
عن أنيس منصور: "أو لعلني كنتت أحزن لبعض ما يكتب. كان يلهو . كان يسلي. كان
يثرثر، كل ذلك بطريقة خلابة، لكن دون مستواه....."
الكتاب من الروائع فعلا لمن يحب التعرف علي تاريخ الأدب والأدباء و تاريخ
حركة الفكر في البلاد، والكثير من التاريخ مع الكثير من الادب.
Posted by ذو النون المصري at ١٠:٤٥ م 1 comments
Labels: قرات هذا الكتاب
السبت، مارس ٠٥، ٢٠١٦
الحب والحضارة والموت
الحرب والحضارة والموت
فرويد
..............................
نحن مدفوعون إلي الاعتقاد بأن الحرب كانت أبدا أعتي الأحداث وأوسعها تدميرا
لكل ما له قيمة إنسانية، ولم يحدث أن ضلل شيء أذكي العقول، ولا سفه شيء أسمي ما
عرفه الإنسان بقدر ما تفعل الحرب.
وحتي العلم يفقد حياده، ويتوسل به علماؤه لاختراع أسلحة تلحق الهزيمة
بالأعداء، واندفع علماء الأنثروبولوجيا إلي إعلان انحطاط أصول الخصوم، وادعي علماء
النفس أن العدو مصاب في عقله قد اعتلت منه الروح. ونحن يقينا نبالغ في تقدير كل
هذه الشرور المتبدية، ولا يحق لنا أن نقارنها بشرور العصور التي سبقتنا لأننا لم
نكن في تلك العصور، ولم نجربها ونعاني منها.
.....................................
ونحن نميل إلي الاعتقاد بأن الحروب كانت دائما بين شعوب بدائية وأخري
متحضرة، وأنها تندلع أبدا بين عصبيات متخلفة، وأنها قامت بين جنسيات دالت
حضاراتها، وأنها ستستمر شغل البشرية الشاغل لوقت طويل، لكني مع ذلك متفائل.
......................
كثيرا ما يكون العرف الاجتماع زاجرا، يطالب الفرد بالكثير من ضبط النفس
والتعفف عن الإشباع الغريزي، ويحظر عليه بشكل خاص أن يفيد مما تتيحه ممارسة الكذب
والاحتيال من فرص هائلة تعرض له خلال عمليات التنافس التي تجري بينه وبين غيره من
الأفراد.
..............................
الدولة تحظر عليه أن يرتكب إثما، لا لأنها تريد أن تمحي هذه الآثام، بل
لأنها تريد أن تحتكر ارتكابها لنفسها.
...............................
وهي تنصب كل الأحابيل المعروفة ضد العدو، وتمارس الكذب المتعمد والغش بشكل
يفوق كل ما عرف في الحروب السابقة، وتطالب رعاياها بأقصي درجات الطاعة، وأكبر
التضحيات، وتعاملهم في نفس الوقت كما لو كانوا أطفالا تضرب حولهم سياجا متينا من
السرية والرقابة علي الأخبار، وتحظر عليهم التعبير عن رأيهم.
...............................
لأن الضمير الإنساني ليس هو ذلك القاضي المتشدد الذي ينحو علماء الأخلاق
إلي تصويره، وإنما هو في أصله ليس أكثر من خوف الأفراد من المجتمع، ولو لم يكن
المجتمع يحاسب أفراده لما زجروا أنفسهم وقهروا شهواتهم، ولارتكبوا من الأعمال
أعنفها ومارسوا الخداع والغش، وتصرفوا بهمجية لا تناسب حضارتهم ولاتوا بكل ما نصفه
بأنه مستحيل.
....................................
الحرب إذن تحررنا من أوهام السلم، وقد يعترض معترض علي وصفنا لمعتقدات
السلم بأنها أوهام، وقولنا إن الحرب تحطم الأوهام، فما نصفه بأنه أوهام، إنما هو
معتقدات لأقبلنا عليها لأننا كنا بها أقدر علي الإقبال علي ما يرضي نزعاتنا ويشبع
رغباتنا، لأننا بالاعتقاد فيها نتجنب الأزمات العاطفية، ولكننا بالعمل بمقتضاها
نصطدم مع ذلك بجوانب من الواقع من آن لآخر. وإذن فمعتقدات السلم ضرورية، ولا مبرر
للشكوي من أنها تبدو زمن الحرب كأوهام.
............................
قد يتبادر إلينا للوهلة الأولي أن الإنسان منذ ميلاده ينحو بطبعه نحو
الخير، وأنه يصدر في أفعاله عن نبالة أصيلة، وهو رأي لن نناقشه، ونرجح عليه القول
بأن الإنسان يجري عليه التطور، وأن التطور محاولة لاجتثاث كل ميل نحو الشر، ودفعه
نحو طلب الخير بتأثير التربية، وبفعل الوسط الاجتماعي المتحضر. ويدعم وجهة النظر
الأخيرة التي تقول بالتطور من الشر إلي الخير، أن الإنسان، رغم كل ما يتناوله من
تهذيب وما يؤخذ به من تربية، ميال للشر، تظهر عليه دلائله وكلها تشير إلي سيطرته
عليه وإحاطته به.
..............................
عرض للكتاب
....................
يستعرض فرويد في ثلاث مقالات ثلاث مشكلات يتعرض لها الإنسان أو الإنسانية
جمعاء، هذه المشكلات هي: الحرب والموت والحضارة.
في المقالة الأولي عن الحرب تحدث عن سيكولوجية الحرب، فقال عن الحرب أنها
تحدث بين بين شعوب بدائية وأخري متحضرة، وأنها تندلع أبدا بين عصبيات متخلفة،
وأنها قامت بين جنسيات دالت حضاراتها، وأنها ستستمر شغل البشرية الشاغل لوقت طويل.
ويري أن الحرب تعتبر محررة من أوهام السلام، وقد تحدث عن السلام كوهم، وبرر
رأيه بأن الجميع يدلس للوصول للنصر، ويري أن الحرب كانت أبدا أعتي الأحداث وأوسعها
تدميرا لكل ما له قيمة إنسانية، ولم يحدث أن ضلل شيء أذكي العقول، ولا سفه شيء
أسمي ما عرفه الإنسان بقدر ما تفعل الحرب.
وحتي العلم يفقد حياده، ويتوسل به علماؤه لاختراع أسلحة تلحق الهزيمة
بالأعداء، واندفع علماء الأنثروبولوجيا إلي إعلان انحطاط أصول الخصوم، وادعي علماء
النفس أن العدو مصاب في عقله قد اعتلت منه الروح. ونحن يقينا نبالغ في تقدير كل
هذه الشرور المتبدية، ولا يحق لنا أن نقارنها بشرور العصور التي سبقتنا لأننا لم
نكن في تلك العصور، ولم نجربها ونعاني منها.
وقد رفض الكاتب الرأي القائل بأن الإنسان ينحو بطبعة الغريزي نحو الخير،
ويري أن الغنسان يتطور باتجاه تفضيل الخير علي الشر بفعل التطور وبفعل التربية.
والمقال الثاني عن الموت، ذكر فيه أن الحرب تواجه الإنسان بالموت، وأن
الإنسان يميل للتفكير بموت الآخرين لا بموته هو، فالإنسان يميل للاعتقاد بأنه
خالد.
والمقال الثالث عن الحضارة ومتاعبها، فهي سبب ثالث من أسباب غربة الإنسان.
فالإنسان الباحث عن السعادة عن طريق الدين أو الفن أو العلم، لم يحصل عليها من أي
طريق. فعن الدين كمقابل للفن والعلم يري أن الفن نقيض الواقع، وواقع الفن أوهام
لكنها أوهام ترضي العقل. ويري أن الاستمتاع الفني هو قمة اللذات، ومن خلال الفنان
يتيسر تذوق الأعمال الفنية لمن لا يستطيعون الخلق والإبداع. ويعتبر الفن ملجأ مؤقت
نهرب إليه من الشقاء الذي يحيط بنا في كل مكان في العالم.
ويري فرويد أن الديانات هي أوهام جماعية، لكن من يؤمن بهذه الاوهام لا يقر
ولا يعرف أنها اوهام. والخلاصة أن هناك الكثير من الدروب التي يمكن للإنسان أن
يسلكها علي أمل بلوغ السعادة، لكنه لا يضمن دربا واحدا منها يأخذ به إليها فعلا.
............................................
Posted by ذو النون المصري at ١٠:٥٩ م 0 comments
Labels: قرات هذا الكتاب
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)