السبت، مارس ٠٥، ٢٠١٦

الحب والحضارة والموت

الحرب والحضارة والموت
فرويد
..............................
نحن مدفوعون إلي الاعتقاد بأن الحرب كانت أبدا أعتي الأحداث وأوسعها تدميرا لكل ما له قيمة إنسانية، ولم يحدث أن ضلل شيء أذكي العقول، ولا سفه شيء أسمي ما عرفه الإنسان بقدر ما تفعل الحرب.
وحتي العلم يفقد حياده، ويتوسل به علماؤه لاختراع أسلحة تلحق الهزيمة بالأعداء، واندفع علماء الأنثروبولوجيا إلي إعلان انحطاط أصول الخصوم، وادعي علماء النفس أن العدو مصاب في عقله قد اعتلت منه الروح. ونحن يقينا نبالغ في تقدير كل هذه الشرور المتبدية، ولا يحق لنا أن نقارنها بشرور العصور التي سبقتنا لأننا لم نكن في تلك العصور، ولم نجربها ونعاني منها.
.....................................
ونحن نميل إلي الاعتقاد بأن الحروب كانت دائما بين شعوب بدائية وأخري متحضرة، وأنها تندلع أبدا بين عصبيات متخلفة، وأنها قامت بين جنسيات دالت حضاراتها، وأنها ستستمر شغل البشرية الشاغل لوقت طويل، لكني مع ذلك متفائل.
......................
كثيرا ما يكون العرف الاجتماع زاجرا، يطالب الفرد بالكثير من ضبط النفس والتعفف عن الإشباع الغريزي، ويحظر عليه بشكل خاص أن يفيد مما تتيحه ممارسة الكذب والاحتيال من فرص هائلة تعرض له خلال عمليات التنافس التي تجري بينه وبين غيره من الأفراد.
..............................
الدولة تحظر عليه أن يرتكب إثما، لا لأنها تريد أن تمحي هذه الآثام، بل لأنها تريد أن تحتكر ارتكابها لنفسها.
...............................
وهي تنصب كل الأحابيل المعروفة ضد العدو، وتمارس الكذب المتعمد والغش بشكل يفوق كل ما عرف في الحروب السابقة، وتطالب رعاياها بأقصي درجات الطاعة، وأكبر التضحيات، وتعاملهم في نفس الوقت كما لو كانوا أطفالا تضرب حولهم سياجا متينا من السرية والرقابة علي الأخبار، وتحظر عليهم التعبير عن رأيهم.
...............................
لأن الضمير الإنساني ليس هو ذلك القاضي المتشدد الذي ينحو علماء الأخلاق إلي تصويره، وإنما هو في أصله ليس أكثر من خوف الأفراد من المجتمع، ولو لم يكن المجتمع يحاسب أفراده لما زجروا أنفسهم وقهروا شهواتهم، ولارتكبوا من الأعمال أعنفها ومارسوا الخداع والغش، وتصرفوا بهمجية لا تناسب حضارتهم ولاتوا بكل ما نصفه بأنه مستحيل.
....................................
الحرب إذن تحررنا من أوهام السلم، وقد يعترض معترض علي وصفنا لمعتقدات السلم بأنها أوهام، وقولنا إن الحرب تحطم الأوهام، فما نصفه بأنه أوهام، إنما هو معتقدات لأقبلنا عليها لأننا كنا بها أقدر علي الإقبال علي ما يرضي نزعاتنا ويشبع رغباتنا، لأننا بالاعتقاد فيها نتجنب الأزمات العاطفية، ولكننا بالعمل بمقتضاها نصطدم مع ذلك بجوانب من الواقع من آن لآخر. وإذن فمعتقدات السلم ضرورية، ولا مبرر للشكوي من أنها تبدو زمن الحرب كأوهام.
............................
قد يتبادر إلينا للوهلة الأولي أن الإنسان منذ ميلاده ينحو بطبعه نحو الخير، وأنه يصدر في أفعاله عن نبالة أصيلة، وهو رأي لن نناقشه، ونرجح عليه القول بأن الإنسان يجري عليه التطور، وأن التطور محاولة لاجتثاث كل ميل نحو الشر، ودفعه نحو طلب الخير بتأثير التربية، وبفعل الوسط الاجتماعي المتحضر. ويدعم وجهة النظر الأخيرة التي تقول بالتطور من الشر إلي الخير، أن الإنسان، رغم كل ما يتناوله من تهذيب وما يؤخذ به من تربية، ميال للشر، تظهر عليه دلائله وكلها تشير إلي سيطرته عليه وإحاطته به.
..............................
عرض للكتاب
....................
يستعرض فرويد في ثلاث مقالات ثلاث مشكلات يتعرض لها الإنسان أو الإنسانية جمعاء، هذه المشكلات هي: الحرب والموت والحضارة.
في المقالة الأولي عن الحرب تحدث عن سيكولوجية الحرب، فقال عن الحرب أنها تحدث بين بين شعوب بدائية وأخري متحضرة، وأنها تندلع أبدا بين عصبيات متخلفة، وأنها قامت بين جنسيات دالت حضاراتها، وأنها ستستمر شغل البشرية الشاغل لوقت طويل.
ويري أن الحرب تعتبر محررة من أوهام السلام، وقد تحدث عن السلام كوهم، وبرر رأيه بأن الجميع يدلس للوصول للنصر، ويري أن الحرب كانت أبدا أعتي الأحداث وأوسعها تدميرا لكل ما له قيمة إنسانية، ولم يحدث أن ضلل شيء أذكي العقول، ولا سفه شيء أسمي ما عرفه الإنسان بقدر ما تفعل الحرب.
وحتي العلم يفقد حياده، ويتوسل به علماؤه لاختراع أسلحة تلحق الهزيمة بالأعداء، واندفع علماء الأنثروبولوجيا إلي إعلان انحطاط أصول الخصوم، وادعي علماء النفس أن العدو مصاب في عقله قد اعتلت منه الروح. ونحن يقينا نبالغ في تقدير كل هذه الشرور المتبدية، ولا يحق لنا أن نقارنها بشرور العصور التي سبقتنا لأننا لم نكن في تلك العصور، ولم نجربها ونعاني منها.
وقد رفض الكاتب الرأي القائل بأن الإنسان ينحو بطبعة الغريزي نحو الخير، ويري أن الغنسان يتطور باتجاه تفضيل الخير علي الشر بفعل التطور وبفعل التربية.
والمقال الثاني عن الموت، ذكر فيه أن الحرب تواجه الإنسان بالموت، وأن الإنسان يميل للتفكير بموت الآخرين لا بموته هو، فالإنسان يميل للاعتقاد بأنه خالد.
والمقال الثالث عن الحضارة ومتاعبها، فهي سبب ثالث من أسباب غربة الإنسان. فالإنسان الباحث عن السعادة عن طريق الدين أو الفن أو العلم، لم يحصل عليها من أي طريق. فعن الدين كمقابل للفن والعلم يري أن الفن نقيض الواقع، وواقع الفن أوهام لكنها أوهام ترضي العقل. ويري أن الاستمتاع الفني هو قمة اللذات، ومن خلال الفنان يتيسر تذوق الأعمال الفنية لمن لا يستطيعون الخلق والإبداع. ويعتبر الفن ملجأ مؤقت نهرب إليه من الشقاء الذي يحيط بنا في كل مكان في العالم.
ويري فرويد أن الديانات هي أوهام جماعية، لكن من يؤمن بهذه الاوهام لا يقر ولا يعرف أنها اوهام. والخلاصة أن هناك الكثير من الدروب التي يمكن للإنسان أن يسلكها علي أمل بلوغ السعادة، لكنه لا يضمن دربا واحدا منها يأخذ به إليها فعلا.

............................................

ليست هناك تعليقات: