الثلاثاء، فبراير ٢٣، ٢٠١٦

التربية

التربية
هربرت سبنسر
....................
في أربع فصول في حوالي 100 صفحة كتب هربرت سبنسر كتابه عن التربية، وضع فيه أهم آراءه في الموضوع. وفيه يحاول الإجابة عن السؤال: كيف نعيش أكمل عيشة؟ ويري أن أهم مقاصد التعليم وأغراضه هو ما يجب علينا أن نتعلمه كي نعيش هذه الحياة.
الفصل الأول بعنوان: أنفس المعارف، وفيه يدور الكلام عن القيمة النسبية للمعارف، وفيه يرتب المؤلف العلوم والمعارف طبقا لمكانتها ومقدار نفعها للحياة الإنسانية، وبين هذا الفصل وفصل في موضوعه بكتاب "إحياء علوم الدين" تشابه كبير، فاعتقد أن الكاتب والمترجم كليهما قد قرأ الإحياء وتأثرا بتقسيم العلوم حسب درجة فاعليتها في الحياة الإنسانية.
وقد كان دافعه إلي تحديد ترتيب العلوم من حيث أهميتها في الحياة الإنسانية هو قصر العمر عن تحصيل كل العلوم فقال: ولم نكن لنتشدد كل هذا التشدد لو أن في أعمارنا من الفسحة ما يستغرق كافة المعارف، ولكن الحياة قصيرة يزيدها قصرا كثرة الأشغال والهموم، فوجب علينا أن نضن بأوقاتنا إلا عن أجل الأعمال فائدة وأكرمها جنيا.
للكاتب مذهب خاص في التربية عبر عنه بقوله: أقوم السبل إلي الصلاح والارتقاء هو الاهتداء بسراج الطبيعة، واتباع سنتها ... ويري أن أصل الشر والبلاء في الجور عن صراط الطبيعة المستقيم والعمى أو التعامي عن مصباحها المنير.
في الفصل الثاني بعنوان التربية العقلية ،اهتم فيه المؤلف بما يعين علي تقديم المعارف العقلية لطلاب العلم بصورة صحيحة دون أن تؤذي ملكة حب الاستطلاع لدي النشء.
في الفصل الثالث بعنوان التربية الأخلاقية ، اهتم فيه الكاتب بتقديم ما يجب علي المربين الإلمام به للحفاظ علي القيم الخلقية لدي النشء. وتحدث عن أخطاء التربية التي تعتمد علي العسف والجور وكيف تؤدي إلي تربية خلقية مشوهة.
  وفي الفصل الرابع بعنوان التربية البدنية، تحدث عن التغذية التي يجب أن نهتم بها لتغذية النشء بصورة لا تضر جسمه. وقارن بين اهتمام الفلاحين بصحة حيواناتهم وصحة أطفالهم كي يوضح مدي فشل أساليب التربية ومدي انحطاط مستواها.
 كثف المؤلف نصائحه للمربين في كل ميدان من الميادين الثلاثة، وله في هذه النصائح ما يشبه القوانين التربوية التي لا خلاف عليها بين العصور أو الثقافات.
يقول: أعمال الحياة لا تستقيم بدون معرفة قوانين الحياة.
وله صيحة يعترض بها علي تخلف الأساليب الوالدية في التربية فيقول: أيطلب أحدهم صناعة الخياطة أو التجارة فيسعى سعيه للإحاطة بقواعدها، ثم يروم أن يكون ذا أولاد يربيهم فلا يرى أن يتعلم أدني شيء مما عساه يعينه علي ذاك العمل الكبير المئونة الجسيم الخطر؟ إن ذلك هو الجنون بعينه؟
يقول: اعلم أن التربية الصحيحة عمل شاق عويص المطلب، بل ربما كان أوعر الأمور مسلكا، علي أنه قد يقوم بالتربية أدني العالم وأجهلهم، فيحاولونها بالضرب والسب اللذين تأتيهما الكلاب في زجر صغارهن....
من الملاحظ أن المؤلف قد تابع التربية في عصره سواء في المدرسة أو في البيت ولم تعجبه طرق التربية التي يتبعها المربون مع النشء، ورأي أن هذه الأساليب الغير تربوية ستنتج جيل مشوه عقليا ونفسيا وخلقيا، فقدم هذه الدراسة التي يري فيها أن اهم ما يجب علي المربي عمله هو الاهتداء بهدي الطبيعة حتى في طرق الثواب والعقاب.
هذا الكتاب يعتبر من الكتب الكثيرة التي تقف كلها في موقف واحد من التربية الحديثة التي قصرت تقصيرا حقيقيا في التربية العصرية. ولا يكتفي الكاتب بالنقد بل يقدم الطريق البديل للطريق الذي يراه غير كفء لهذه الحياة.





ليست هناك تعليقات: